منذ الوهلة الأولى.. يدهشك الإنسان اليمني بزيه الشعبي التقليدي الأصيل.. وبهمة نحلة وقعت على زهرة.. تقع عيناك على تفاصيل ذلك الملبوس المتقن الذي يلفه الرجل على الجزء الأسفل لجسمه من الخصر إلى مابين القدم والركبة فتبهر وأنت تغوص في تلك التفاصيل.. دقة تراص خيوطه وانسجام أشكال زخارفه ونقوشه المتقنة وزهاء وتناغم ألوان خيوطه.. وكأنك تقرأ لوحة تشكيلية بديعة رسمتها أنامل ذهبية.. لا تقل شأنا عن الأنامل الشهيرة التي تركت لوحات فنية تعرض بين الحين والآخر على المزادات العالمية.. وتكتشف فيما بعد أنك في معرض فني مفتوح يرتدي أكثر من 85% من اليمنيين لوحاته الفنية الفريدة المتنوعة بتنوع أنماط وألوان المدارس الفنية المختلفة.. انك في اليمن.. البلد العربي الأشهر بحضاراته العريقة الضاربة في جذور التأريخ.. والموطن الأعرق للكثير من الصناعات الحرفية المتميزة.. التي حافظت على مكانتها وشهرتها وطابعها التقليدي واستطاعت الجمع بين الهوية والتراث والموضة.. أضفت عليها لمسة جمالية أهلتها للولوج بقوة إلى دائرة المنافسة وتحقيق الريادية.
فاستطاعت" حياكة المعاوز" تلك الحرفة اليدوية التي تمارس بأدوات تقليدية تحقيق شهرة كبيرة في اليمن.. ليصبح المعوز الزي الأوسع انتشارا في اليمن وفي أوساط مختلف الفئات العمرية.. تحقق تجارته وإنتاجه رواجا كبيرا والطلب عليه في تنام مستمر سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية.
وحياكة المعاوز من الصناعات النسيجية التي تمارس بالوسائل التقليدية كمهنة أصيلة حافظت على مكانتها من الاندثار أمام طغيان المكينة والمنافسة الكبيرة.. ليظل المعوز موروثا شعبيا يدل على العراقة والتميز والإبداع.
إذ تكشف الرسومات والتماثيل الأثرية للحضارات اليمنية القديمة أن المعوز يمثل صورة نمطية للزي الذي ارتداه الإنسان اليمني القديم وحافظ على مكانته عبر التاريخ.. ومع مرور تلك الحقب الزمنية نشر اليمنيين هذا الزى إلى الكثير من العالم خصوصاً في قارة إفريقيا وشرق آسيا سواء عن طريق الهجرات اليمنية التاريخية أو عبر التجارة الملاحية وموقع اليمن التجاري الذي تمر إليه طريق القوافل..
وتذكر عدد من المصادر المتخصصة بالأزياء اليمنية أن المعوز. لم يكن سابقا كما هو عليه الآن حيث كان في الماضي ينسج كقطعة قماش عادية بدون زخارف أو نقوش وكان يطلق عليه" مقطب" حيث لا يزال يحتفظ بهذا الاسم حتى الوقت الحالي منذ حقب التاريخ القديم
والحياكة صناعة شعبية تقليدية قديمة تداولها كثير من أبناء اليمن والجزيرة العربية إذ تذكر كتب السيرة الكثير عن البرد اليمانية التي اشتهرت قديما والتي كانت تتمتع بخصائص لا توجد في غيرها من المنسوجات..
وكان الإنسان اليمني القديم يحيك الحبال من أشعار الحيوانات وأوبارها ومن القطن وتشمل عملية الحياكة التي مارسها الأجداد وتوارثها الآباء.. حياكة المقاطب و اللحف والمعاجر" المحاش" - تلف حول الخصر كالحزام- والمقارم النسائية.. حيث كانت عبارة عن قماش أبيض ينسج من خيوط قطنية تغزل محليا وينقع المنسوج في صباغ يدعى النيلة.
والحياكة ليست بالأمر السهل فهي تتطلب مهارة خاصة وخفة في حركة اليدين والرجلين والتركيز أثناء العمل للحصول على منسوج جميل وجذاب وذي حياكة متقنة.
إذ يحرص صناع المعاوز على التفنن في حياكتها وتزيينها بالنقوش لتلبية اختلاف أذواق الناس واستمالتهم لشراء هذا الزي .. فهي اليوم بألوان وأصناف كثيرة وأدخلت عليها الرسومات والزخارف والنقوش والعبارات لتشكل لوحة فنية بديعة.. مرت حياكة المعاوز بمراحل هامة تطورت خلالها عملية الحياكة وتطورت كذلك الآلة التي يحاك عليها.. ورغم ما مرت به المعاوز إلا أنها لا تزال تحافظ على شعبيتها.. حيث كان يطلق عليها أزر أو الكساء وكان يرتديه أهل الريف..
وشاع في الماضي بين القبائل تسميتها " معاوز" و المعاوز بالفتح جمع معوز بالكسر.. وهو الثوب الخلق الذي لا يتبدل لأنه لباس المعوزين " الفقراء" وتصنف المعاوز بشكل عام إلى ثلاثة أنواع منها الصافي أو" السادة" باللهجة الشعبية ويكون بلون واحد و" القدا" يكون بلونين والثالث النقشه وهو ينسج بلون واحد أو أكثر لكنه سميك وتدخل فيه النقشات التي تكون إما بلون واحد أو أكثر حيث تطرز المعاوز وتطعم بزخارف ورسومات ملونة تجعل منها لوحة تشكيلية غاية في الجمال.
وفي الماضي ظهرت عملية الصباغة كحرفة أخرى ترتبط بالحياكة إلا أنها كانت تمارس بشكل بدائي وبطرق تقليدية إلا أنها اختفت خلال المراحل السابقة بسبب توفر الخيط الملون حيث كان المهرة يقومون بعملية الصباغة مستخدمين لحاء الأشجار كالثعب للحصول على صبغة صفراء وقشور الرمان والحوير إلى جانب مواد أخرى تسمى كما كانت عليه بالنيلة" زورقي ، حضرمي، جنداوي" حيث توضح على المنسوج وتدق بعناية لإظهار المنسوج بألوان زاهية وغالبا ما يكون اللون الأسود أشهرها.
وآله الحياكة فريدة في عملها بسيطة في تركيبها ومكوناتها التي هي عبارة عن مجموعة من القطع الخشبية تسمى القاعدة.. فلم تكن آله الحياكة القديمة كما هي عليه حاليا.. فهي ذات حجم كبير يتطلب تركيبها وجود مكان متسع وفي دور أرضي إذ تحتاج إلى حفرة في الأرض بعمق 60سم تثبت فيها الزناجر" الدعسات" يجلس الحائك على حافتها ويمد إلى الحفرة رجليه لتحريك الزناجر" الدعسات" لتحريك العمل وممارسة عملية النسج.. وهي غير قادرة على إدخال النقشات والزخارف على المنسوج فهي تنتج قماش عادي" سادة" يطلق عليه مقطب" وذلك بسبب قلة عدد" المواجح" حيث كانت للآلة القديمة موجحين فقط.. وكان لذلك الحجم الكبير إسهاما في إنتاج المقطب كقطعة كاملة على عكس الآلة الحديثة التي ينتج خلالها المعوز على مرحلتين في كل مرحلة قطعة طولية تسمى شقة" تلصقان ببعض بآله تطريز خاصة.
وكان الحائك يتمكن من إنتاج ثلاثة مقاطب خلال اليوم الواحد على الآلة القديمة لكن ليس بالجودة التي هي عليها حاليا بسبب رداءة الخيط الذي كان يغزل محليا من القطن لكن ذلك الخيط كان عرضة للانقطاع بين لحظة وأخرى أثناء عملية الحياكة.. ومع الزمن تغيرت عملية الحياكة عما كانت عليه سابقا بسبب إدخال تعديلات على آله الحياكة التقليدية من خلال مضاعفة عدد من القطع الرئيسية فيها وابتكار تصاميم صغيرة مناسبة وهو ما مكن من تحسين مستوى المنسوج المنتج.. فأرتفع عدد المواجح المدخلة على الآلة من موجحين في القديمة إلى أربعة ثم ستة وأخيرا ثمانية مواجح" وهي المسئولة عن إدخال النقشات والزخارف والعبارات إلى المنسوج" المعوز" بدقة متناهية.
وكان الخيط الأساس الذي يشكل منه المعوز" الشرعة" توضع في حفرة على الجهة الأخرى من الحائك ويتطلب تركيبها على الآلة جهد كبير لترتيبها وربطها في بداية العمل، لكنه تم ابتكار طريقة أخرى للف الخيط الأساس على بكرة حديدية كبيرة تثبت على الآلة وتلف بعناية من خلال مصانع تخصصت في هذه المجال يطلق علي تلك البكرة " البيم" ويمتاز البيم" باحتوائه على كمية من الخيط الأساس تكفي لانجاز 16 معوز بينما تحتوي الشرعة كمية من الخيط تكفي لانجاز 8 معاوز فقط ، ويتشكل المعوز من 1800-2000 خيط من الخيط الأساس الطولي.
ويطلق أهل هذه الحرفة مسميات ومصطلحات مختلفة عن مكونات هذه الآلة يتعارف عليها فيما بينهم من تلك الأجزاء الرئيسية القاعدة وهي مجموعة من القطع الخشبية تتركب عليها الإجراء الرئيسة للآلة.
الكرك: عود خشبي مثبت عرضيا يمر من خلاله الخيط الأساسي القادم من الشرعة أو البيم و البيم عجلة من الحديد يلتف عليها الخيط الأساس الثابت الذي يشكل الغزل الرئيسي في المنسوج ويمتد طوليا على أجزاء آله الحياكة خلال مرحلة النسيج ، " الشرعة" نوع آخر من الخيط الأساس على عكس البيم والشرعة اسم يطلق على الخيط الأساس قبل أن يظهر البيم" حيث كان الخيط يترك على شكل كوم والحائك من يقوم بترتيبه ، " الهات" قطعة خشبية تتدلى من أعلى آله الحياكة حتى منتصفها عبر ذراعين تتحرك في اتجاهين متقابلين وهي الأقرب إلى الحائك ويحتضن " الهات" القلب" الذي هو عبارة عن مجموعة كبيرة الأعمدة الخشبية الدقيقة المتراصة بعناية كأسنان المشط تصنع من الخشب الجيد.. ويصل عدد الأعمدة الخشبية إلى 500 عمود يمر من خلالها الخيط الأساس الثابت.. وظيفتها رص الخيط أثناء عملية الحياكة وإظهار المنسوج مترابطا متماسكا ، " المواجح" أو الانياص خيوط وترية عددها حوالي 500 نيصة تتركب على أعمدة يتراوح عددها بين 2-4-6-8 بحسب نوعية الآلة " و المواجح أو الانياص" ترتبط " بالزناجر" أو الدعسات" التي يديرها الحائك برجليه لتكتمل عملية الحياكة والتي تعمل الزناجر و المواجح" بشكل تكاملي على قسم الغزل أو الخيط الأساس الثابت إلى طبقات ترفع جزء منها إلى أعلى وتخفض الجزء الأخر إلى أسفل لتسهيل تمرير الخيط العرضي.. بحسب نوعية الآلة وبحسب عدد المواجح و الانياص فإن 6 مواجح تقسم الخيط الأساس إلى ست طبقات" وتقوم خلال عملية الحياكة أجزاء من المواجح بالارتفاع إلى أعلى و ترفع معها الخيط بينما تقوم الأجزاء الأخرى من المواجح بالانخفاض إلى أسفل وخفض القسم الآخر من الخيط وحسب حركة الزناجر الدعسات التي تتحكم فيها أقدام الحائك.. وبما يسهل عليه رمي المزج أو " الزمامير" بين طبقات الخيط لوضع الخيط العرضي وإدخال النقشات وإكمال عملية النسيج" والمزج" أو " الزمار" قطعة خشبية لا يتجاوز طولها 15-20 سم مجوفة يشبه شكلها مركب الصيد الصغير يوضع في تجويفها عجلة الغزل المتحرك الذي يلف عليها الخيط العرضي يمررها الحائك شمالاً ويميناً بدقة متناهية خلال عملية الحياكة ويستخدم الحائك عدد من المزجات" أو الزمامير" خلال عملية النسج لوضع النقشات والزخارف على المنسوج وإدخال وتطعيم المنسوج بالخيط الملون المناسب.. فتتعدد المزجات بتعدد الألوان المراد إظهارها.. تتكرر عملية حركة المواجح الآلف المرات يأخذ المعوز خلالها شكله المميز وطوله المتعارف عليه ، وترتبط المواجح أو الانياص بخيط غليظ تتدلى من أعلى الآلة وتربط بمتصف أعمدة خشبية صغيرة يطلق عليها العصافير تتدلى من إطرافها خيطان ترتبط بالمواجح لتبدو المواجح ككفات ميزان تعمل بنفس حركته..
وتتحكم أصابع القدمين في حركتها.. وتلي السماسم الترتيب بعد المواجح في الناحية الأخرى من الحائك.. و السماسم أعمدة خشبية كالعصي توضح بين طبقات الخيط الأساس الثابت في الاتجاه القادم من البيم أو الشرعة لتعمل على شدة وتنظيمه.يلي ذلك مباشرة " السندلي وهو حبل يعمل على شد السماسم نحو البيم أو الشرعة لشد الخيط بهدف ترابط المنسوج.. وبالقرب من أقدام الحائك يلتف المنسوج " المعوز" الجاهز على عمود خشبي يطلق عليه الطور أو المدرج أو " القير" بالإضافة إلى أجزاء أخرى تستخدم لتحريك المنسوج خلال عملية الحياكة.
وأول مرحلة من مراحل حياكة " معوز" هي التسديد بوضع الخيط الأساس وتوزيعه بين الانياص المواجح" وما بين أعمدة القلب.
تسهم عملية حياكة المعاوز في إنعاش الاقتصاد اليمن من خلال تحسين المستوى المعيشي وإيجاد مصادر للدخل والحد من عملية البطالة ويستفيد منها الآلاف من الأسر اليمنية في كثير من المناطق من خلال عملية إنتاج المعاوز أو تسويته.. خاصة وأن المعاوز تحقق رواجا كبيراً في الأسواق اليمنية المحلية ويمتد الطلب إلى عدد من أسواق دول الجوار.
الحائك/ أحمد حسين حمزة 70 عاماً ممن امتهنوا حياكة المعاوز منذ طفولته.. يؤكد اعتزازه بمهنته فيصفها بمهنة الإباء والأجداد.. ندعه هنا ليروي عن مرحلة هامة عاصرها مع حرفة حياكة المعاوز. يقول: تعلمت على يد والدي عملية الحياكة والذي كان والدي قد اكتسبها عن جدي.. وأنا الآن علمتها أولادي الذين هم الآن يمارسون هذه الحرفة.. كان عمري عندما بدأت ممارسة المهنة لا يتجاوز 14 سنة كما هو حال غيري من أطفال قريتنا بني مسعود وصاب السافل" وكان الكثير ممن في القرية يجيدون هذه الحرفة.. في ذلك الوقت كانت العديد من المناطق اليمنية تمر بمراحل قاسية يصعب فيها توفير " كفن" فإذا توفيا شخص يعجز الناس في الحصول على قماش يكفي لتكفين المتوفى ما يدفعهم إلى تأجيل عملية الدفن حتى يقوم الحائك بحياكة كفن.. وكان ذلك يستغرق وقتاً طويلاً ما يدفع من يجيدون الحياكة إلى التناوب لإنجاز حياكة الكفن.. كان الخيط رديئا ينقطع بشكل مستمر أثناء عملية الحياكة..فالخيط يغزل محليا من القطن الذي كان يزرع في مساحات واسعة من اليمن. وللحد من انقطاع الخيط يلجئ الحائك إلى طلاء الخيط الأساس " الشرعة" بعد تبليه بالماء بالذرة الشامية المهروسة بعناية" وتدق " تطرق" لتكسبه صلابة وتماسك وزهاء للحد من عملية الانقطاع أثناء مرحلة الحياكة.. كان الحائك القديم يقوم بحياكة ونسج منسوجات متعددة" كالحف" والمقاطب" والأزر والمعاجر" المحاش" التي تلف حول الخصر كالحزام.. والمقاطب تحاك بوقت أسرع فهي بدون نقشات أو زخارف " سادة" ولم تكن المعاوز كما هي عليه حاليا فلم يكن يعرف سوى " المقاطب" التي لم تدخل عليها النقشات والزخارف إلا في وقت قريب قبل حوالي 25-30 سنة والمقطب هو المعوز و ظهور النقشات باختلاف أذواق الناس وهو مادفع الحائك إلى تطوير آلة الحياكة والمنسوج تلبية لرغبات وأذواق الناس ومع حرفة الحياكة ظهرت عملية الصباغة حيث كان يطلق على " المقطب" المصبوغ " بالخمة" وتتم في العديد من المناطق المشهورة بالحياكة منها في منطقة بني حطام وبني عبد الله بمنطقة وصاب السافل محافظة ذمار.. ويطلق على من يقوم بعملية الصباغة بـ " الدقاق" نسبة إلى عملهم في وضع النيلة على المنسوج ودقه " طرقه" لتثبيتها.. فتوفير الخيط وغزله وإتقان عملية الصباغة كانت أهم مقومات نجاح الحياكة في ذلك الوقت وظهرت فيما بعد خيوط الحرير المستوردة فالمقاطب " المعاوز البيضاء والمصبوغة التي لا تحتوى على نقشه تجد رواجا في العديد من الأسواق اليمنية ويحقق الحائك مردودا مناسب تمكن من خلال اكتساب الأراضي والمقتنيات الثمينة إلى جانب إعالة أسرهم..
واشتهرت العديد من المناطق اليمنية بحياكة المنسوجات ومنها المقاطب كزبيد وتهامة.. شبوة وحضرموت وعدن وكانت وصاب السافل من ضمن تلك المناطق والتي لا تزال مناطقها محافظة على هذه الحرفة الهامة خاصة في بني عبدا لله وبني حطام وقور وبني غشيم فكانت أسر بعينها مشهورة بهذه الحرفة كبيت المحجري في وصاب..إثناء ذلك يجلب التجار ملابس النساء من عدد من الأسواق باستثناء بعضها الذي يحاك ويصبغ محليا بألوان مختلفة كالمقارم.. مؤخرا اختفت حياكة اللحف والمعاجر " المحاش" والمقارم بسبب عدم قدرتها على المنافسة أمام المنسوجات الأخرى المستوردة واختفى الطلب عليها عكس المقاطب" التي طورت حياكتها وأدخلت عليها النقشات والزخارف ويطلق علها في الوقت الحالي المعاوز..
ويضيف الحائك أحمد حسين حمزة أن العقد الأخير من القرن العشرين مثل بداية انتعاش حقيقة في تأريخ حياكة المعاوز بعد أن كانت تشكو التذبذب.. فعند عودة الآلاف من المغتربين اليمنيين من عدد من دول الجوار عقب اندلاع حرب الخليج الأولى.. أحيا الكثيرين منهم هذه الحرفة وتعلمها الكثير وانتشرت في مناطق لم تعرف فيها من قبل وازداد خلال ذلك الطلب على المعاوز.. لتصبح اليوم مهنة يجيدها الكبار والصغار.
وفي ذلك الوقت كان أسرار صناعة آلة الحياكة حكرا على عدد محدود من الناس.. حيث يذكر قصة رجل نجح في كشف أسرار طريقة صناعة آلة حياكة المعاوز إذا تظاهر الرجل برغبته في شراء آلة يمارس من خالها حياكة المعاوز فذهب إلى منطقة يوجد فيها شخص يجيد صناعة آلة الحياكة.. في قرية تبعد عن قريته كثيراً وعندما وصل إلى منزل صانع الآت الحياكة و طلب منه أن يصنع له آلة فوافق الشخص وطلب منه أن يرجع بعد يومين ليجد الآلة جاهزة.. لكن الشخص تظاهر بالمرض والخوف من العودة إلى قريته خلال الليل فأشفق عليه الآخر وقبل أن يقيم لديه في منزلة حتى الصباح وخلال الليل.. وبعد أن تأكد صاحب المنزل بأن ضيفة خلد للنوم.. شرع في ممارسة العمل وإنجاز أهم الأجزاء وأعقدها من آلة الحياكة..
لكن الشخص كان يتظاهر بالنوم فقط فهو ممن شهد لهم بالذكاء والفطنة.. فقد ظل طيلة الوقت يراقب صاحب المنزل وهو يقوم بصناعة آله الحياكة.. وكان من أهم الأجزاء المواجح والقلب فعند الصباح كانت آلة الحياكة جاهزة.. فأخذها وعاد إلى قريته حاملا معه آلة الحياكة وأسرار صناعة تلك الآلة البسيطة فعمل على نقل ما أكتشفه إلى كثير من أبناء قريته وبذلك انتشرت طريقة صناعة آلة الحياكة في مختلف المناطق وهو ما أسهم في انتشار هذه الحرفة فأتقنها الآلاف من الذكور والإناث وصارت وسيلة لتحسين الظروف المعيشية وتحسين المستوى الاقتصادي.
ويشير الحائك أحمد حسين حمزة إلى أن العائد حاليا أفضل مما كان عليه فالمعاوز تلاقي رواجا في الكثير من الأسواق المحلية والعربية.
ويقول الحائك محمد أحمد القوري 35 عاما أن أكثر الأنواع طلبا ورواجا ذات النقشات والزخارف الخفيفة والتشكيلات الجديدة واللون الهادئ.. وتختلف الطلبات باختلاف المناطق.. فمثلا منطقة تهامة يتركز الطلب فيها على المعاوز ذات النقشات الثقيلة والكثيفة والألوان الواضحة كاللون الأخضر والأحمر والوردي.. وبشكل عام تفضل المعاوز ذات الألوان البيضاء والترابي والبيج والهادئ غير المزعج..
ويؤكد أن مواسم الأعياد تشكل رواجا كبير لمنتجاتهم من المعاوز على عكس بقية أيام السنة حيث يقل الطلب طوال العام باستثناء فترات الأعياد.. فيستعد أصحاب هذه الحرفة لمواسم الأعياد.. من خلال إنتاج كميات من المعاوز بتشكيلات جديدة ومتميزة.
وأضاف أعداد المنتجين المتواجدين في السوق كثير جدا والمنافسة موجودة لذلك لابد أن نثبت رياديتنا في السوق من خلال ابتكار نقشات وزخارف وأشكال جديدة وجذابة ننزلها إلى السوق بين مرحلة وأخرى.. أحيانا مطلع كل شهر.. ونلجئ أحيانا إلى اقتباس أشكال وزخارف عن طريق الكمبيوتر يتم نقلها إلى المعاوز بما يتناسب مع أذواق الناس لتصريف كميات كبيرة وتحقيق الربح ويتحفظ كل حائك على نوعية النقشات والزخارف التي سيتم عرضها وإنزالها لأول مرة إلى السوق وحتى لا يقلدها الآخرون وبذلك تقل نسبة تصريف الكمية المنتجة وبالتالي قلة العائد.
أما الحائل عبد الغنى محمد أحمد 27عاماً..فيشير إلى أنه هناك أنواع متعددة من المعاوز في عدد من المناطق اليمنية منها اللحجي والحضرمي والبيضاني والشبواني والوصابي ولا نعني أنها تنتج في تلك المناطق فقط.. وأحيانا تنسب إلى المناطق التي تلبس فيها ولكل نوع منها ميزته الخاصة.. فالنوع البيضاني يلبسه أبناء البيضاء ولا ينسج هناك ويتصف بالون الزاهي المائل إلى اللون الأصفر.. أما اللحجي فهو نوع عرف حياكته في مناطق من محافظة لحج ويتصف بأن نقشاته خفيفة.. والنوع الحضرمي يعرف بنقشاته الكثيفة وفي أطرافه تركب أشكال تزيده جمالاً يطلق عليها البعض معثكل.. والشبواني خفيف والوصابي قريب من ذلك ويتصف إضافة إلى ما ذكر بالنقشات المتنوعة والعمل المتقن..
ويقول لقد أثرت الآلات الحديثة على الأداء بشكل كبير بالرغم من رداءة منتجاتها ومع ذلك تأثرت منتجاتنا بسبب هذه المنافسة والآلات الحديثة تتطور بتطور الصناعات اليدوية بالرغم من تميز المنتج اليدوي وإتقان صنعته .. ويشكل الخيط عائقا كذلك للارتفاع المستمر في سعره وبذلك لا تعود علينا عملية الحياكة بالفائدة كما كانت عليه من قبل لعدم توفر الخيط المطلوب محليا.. ويستخدم الحائك حالياً أنواع من الخيط منها الخيط الاندونيسي وهو متوفر بنوعين ذات جودة عالية ومتوسطة وخيط هندي رديء..أما أجودها فالخيط الياباني لكن أسعاره عالية جدا..
ويترتب سعرا المعوز على نوعية النقشه ونوعية الخيط وخبرة وإتقان الصانع واللون المستخدم.
ويتطلع ممتهني هذه الحرفة إلى أن تضع الحكومة في أجنداتها برنامجاً طموحا لدعم وتشجيع هذه الحرفة من خلال وضع آلية لتوفير خيط ذات جودة عالية بأسعار مناسب وتشجيع الاستثمار في إنشاء مصانع محلية الإنتاج الخيط خصوصا أن اليمن من الدول المنتجة للقطن بأصنافه الثلاثة طويل التيلة وقصير التيلة ومتوسط التيلة.
وينوه عبد الغني إلى أن تعلم حرفة حياكة المعاوز أمراً سهلاً حيث يتعلم الشخص خلال أسبوعين ويرجع كذلك الدور على طريقة توصيل المعلومة من الحائك نفسه الذي يتعلم الشخص على يديه.. ويؤكد أن عدد المعاوز الذي ينتجها الحائك في اليوم يتوقف على نوعية المعوز فالنوع الخفيف يمكن للحائك إنجاز 2-3 معاوز يوميا أما النوع ذات النقشه الثقيلة فيمكن إنجاز معوز واحد
[img][/img]